الألغاز الشعبية العربية مليئة بالفطنة والدهاء، وتأتي غالبًا بصياغات بسيطة تخفي وراءها إجابات ذكية وغير متوقعة. ومن بين هذه الألغاز التي تتكرر كثيرًا لغز يقول:

“ما الشيء الذي ننام عليه، ونجلس فوقه، ونغسل به أسناننا؟”

قد تبدو الإجابة للوهلة الأولى مستحيلة، فكيف يمكن لشيء واحد أن يستخدم في النوم والجلوس وتنظيف الأسنان في الوقت نفسه؟ لكن سر اللغز يكمن في اللغة نفسها، وليس في الشيء المادي.

الإجابة: الفرشة

نعم… الإجابة هي “الفرشة”.

وقد تبدو الإجابة غريبة في البداية، ولكن عند التدقيق تجد أن كلمة فرشة ليست شيئًا واحدًا، بل تُستخدم للدلالة على عدة أشياء مختلفة حسب السياق:

1. ننام على الفرشة (فِرَاش أو مرتبة السرير)

الفرشة هنا تعني مرتبة السرير أو الفِراش الذي ينام عليه الإنسان.
نقول في العامية:
“غيرت فرشة السرير”
أي غيرت المرتبة أو غطاء الفراش.

2. نجلس فوق الفرشة (مقعد أو وسادة الجلوس)

وفي سياق آخر، تطلق كلمة “فرشة” على المقعد أو الوسادة التي نجلس عليها، سواء كانت وسادة أرضية، أو كرسياً مبطناً، أو حتى غطاء الكرسي.
فنقول:
“فرشة الكرسي اتقطعت”
أي الغطاء أو الطبقة التي نجلس عليها.

3. نغسل أسناننا بفرشة الأسنان

والاستخدام الأشهر لكلمة فرشة هو:
فرشة الأسنان
وهي الأداة اليومية التي نستخدمها للعناية بنظافة الفم والأسنان.

وهكذا يجمع اللغز بين ثلاثة معانٍ لكلمة واحدة، وهذا هو سر جماله وذكائه.

سر قوة اللغز… كيف خدعتنا الكلمة؟

هذا النوع من الألغاز يعتمد على ما يسمى:

التلاعب الدلالي

أي استخدام كلمة واحدة تحمل عدة معانٍ مختلفة، بحيث يتم دمجها في سؤال يوهم المستمع بأن الحديث عن شيء واحد، بينما الحقيقة هي أن الإجابة تعتمد على اشتراك لفظي وليس اشتراكًا ماديًا.

ولأن الإنسان بطبيعته يفكر بشكل مباشر، فهو يبحث عن شيء واحد له ثلاث وظائف مختلفة، وهذا ما يجعله يقف حائرًا أمام اللغز لثوانٍ قبل أن يكتشف الخدعة اللغوية.

لماذا نحب هذا النوع من الألغاز؟

الألغاز التي تعتمد على اللغة العربية دائمًا لها مكانة خاصة، لأنها:

  • تظهر ثراء اللغة واتساع مفرداتها.
  • تنشط الذكاء اللغوي.
  • تدفع العقل للتفكير خارج الصندوق.
  • تمنح لحظة اكتشاف ممتعة عند معرفة الإجابة.

كما أنها نوع من الترفيه الذي يجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحد.

ألغاز مشابهة تعتمد على الكلمة الواحدة

هناك مجموعة أخرى من الألغاز التي تعمل بنفس الفكرة، مثل:

  • ما هو الشيء الذي يمشي بلا رجلين؟
    (الوقت أو السحاب — حسب السياق)
  • ما هو الشيء الذي يكتب ولا يقرأ؟
    (القلم)
  • ما هو الشيء الذي يسمع بلا أذن؟
    (الهاتف)

كلها تعتمد على توسيع المعنى وإعادة التفكير فيه بطريقة غير مباشرة.

إن لغز “ما الذي ننام عليه ونجلس فوقه ونغسل به أسناننا؟” هو مثال جميل على براعة اللغة العربية وقدرتها على إنتاج معانٍ متعددة من كلمة واحدة.
والإجابة — الفرشة — تجعلنا ندرك أن التفكير الذكي ليس في البحث عن شيء واحد لكل الأفعال، بل في فهم اللغة أولًا.